لشيخ شريف رئيساً للصومال ... الفرص والعقبات |
حسن محمد إبراهيم |
اختتم في جيبوتي في 29/1/2009م اجتماع تصالحي بين الحكومة الانتقالية وبين جناح جيبوتي من تحالف إعادة التحرير، وتمخض عن انتخاب الشيخ شريف رئيساً للحكومة الانتقالية لفترة انتقالية هي سنتان، وضمِّ 200 عضو من جناح جيبوتي إلى برلمان الحكومة الانتقالية ليصل عدد أعضائه إلى 550 عضواً نصفهم من أعضاء برلمان الحكومة الانتقالية السابق، والنصف الآخر من المعارضة؛ 200 عضو منهم لجناح جيبوتي والباقي - وهو 75 عضواً - لمنظمات المجتمع المدني. ويأتي انتخاب الشيخ شريف بعد انهيار كامل لكل البنى التحتية للبلد بسبب الحرب الأهلية التي مضى عليها قرابة 18 عاماً، كما يأتي إثرَ ضياع وتشرد عانى منهما الصوماليون طويلاً، بعد انهيار الحكومة المركزية بسقوط نظام زياد بري، إضافة إلى ضياع سيادة البلد بشكل كامل، بحيث أصبح كلأ مباحاً لكل طامع، ومرتعاً خصباً لكل مغرض؛ فسماؤه مفتوحة لكل من هبَّ ودبَّ، وأرضه اعتادت الاجتياحات العسكرية من جيرانه غير الأوفياء، وبحره مليء بأساطيل الغرب والشرق التي تتنافس على نهب الخيرات وسرقة الثروات. ويأتي هذا الاجتماع الذي انتخب فيه شريف في ذيل قائمة طويلة من مؤتمرات المصالحة انتهت كلها وليس معظمها بحروب طاحنة عمَّقت الجراح وزادت الطين بلَّة، إلى أن أصبحت هذه الاجتماعات أشأم من (البسوس) في نظر الصوماليين. فهل يا ترى تجود اجتماعات المصالحة هذه المرة بنتائج إيجابية تنهي الصراع وتؤسس لمرحلة جديدة يعود فيها الوئام إلى أهل الصومال الذين تفرقوا أيدي سبأ بعد أن دقوا بينهم عطر منشم؟ وهل يكون الشيخ شريف بدعاً من الرؤساء الذين أنجبتهم معامل اجتماعات المصالحة، فينجح فيما أخفق فيه غيره؟ أم سينتهي إلى ما انتهى إليه من سبقه إلى أزمة الرئاسة الصومالية بعد زياد بري من فشل ذريع؟ نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في السطور التالية، وذلك بعرض الفرص المواتية للشيخ شريف، والعقبات التي تعترض سبيله. الفرص المواتية: يتوفر للرئيس الجديد فرص عدة يمكنه الإفادة منها إذا هو أحسن استغلالها ووظَّفها لصالح مشروعه، ومنها: 1 يخفف انسحاب القوات الأثيوبية من البلد العبء عن كاهل المقاومة، ويتيح لها التفكير في السعي إلى استقرار سياسي ينهي التناحر والتشرذم اللذين سادا في الصومال قرابة 18 عاماً، وهذا يوفر للرئيس الجديد أرضية صالحة للتفاهم مع رفاق السلاح وأصــدقاء الخنــدق، لا سيما إذا تمسك بالثوابت المشتركة، وأصرَّ على تحكيم الشريعة الذي جاء به إلى الواجهة. 2 رئاسة الشيخ شريف للحكومة الانتقالية قد تحول دون نشوب صراعات دموية بين المقاومة وبين الحكومة الانتقالية؛ إذا لم يستجب للضغوط الدولية التي تدفعه إلى محاربة فصائل المقاومة، وسعى إلى مراضاتها وعدم مبادأتها بالقتال؛ لأنه يدرك قبل غيره أن فصائل المقاومة ليست بأسوأ مَنْ في البلد، بل يدرك أنها تسعى إلى الإصلاح والدفاع عن البلد وأهله، بينما لم يكن عبد الله يوسف يملك تلك الرؤية بسبب جهله المطبق عن المقاومة بل عن الصحوة الإسلامية عموماً، وهذا سيتيح له التفرُّغ للمشاكل الأخرى العالقة التي طالما أعيت مَنْ سبقه إلى كرسي الرئاسة. 3 فرص نجاح الحوار البيني أكثر من أي وقت مضى، فرئيس الحكومة الانتقالية خرج من رحم المقاومة، ورجال المقاومة من أصدقائه ورفقاء دربه، ولن يلقى عناء في التفاهم معهم أكثر من الذي لاقاه في تقاسم السلطة مع الحكومة الانتقالية التي كانت تضم غرماءه من تحالف محاربة الشهادتين أمثال: قنيرى وموسى سودي، بــل إنهم لا يطالبونه بنصيب من كعكة الحكم كما يعتقد، إذا رفع شعار تطبيق الشريعة وهو جادٌّ في ذلك بوصف ذلك بادرة حسن نية. 4 فرص السعي إلى إعادة الدولة الصومالية إلى الوجود من جديد أكثر من أي وقت مضى، فالشيخ شريف ورفاقه من الإسلاميين الذين انخرطوا في الحكومة الانتقالية يدركون حقائق الواقع على الأرض وأن الحكـومة الانتقالية لا تمثل أكثر من أعضاء البرلمان الانتقالي، وهو في الحقيقة خليط غير متجانس، ويملك الشيخ شريف ورفاقه ورقة قوية هي طرح مبادرة مصالحة حقيقية تستوعب جميع مكونات المجتمع الصومالي، بما في ذلك القوى والإدارات ذات النفوذ الفعلي في الميدان كإدارتي (صوما لاند) و (بونت لاند) وهو ما سيزيد من الثقة به وقبوله الشعبي. العقبات والمطبات: هناك عقبات جديدة وقديمة ومطبات طالما تحطمت على صخرتها الأحلام الوردية للرؤساء الذين تعاقبوا على الكرسي بعد زياد بري، ولا زالت تلك العقبات تنتظر الرئيس الجديد، ومنها: 1 - كان الصومال يضم قبل انهيار حكومة زياد بري 18 إقليماً إدارياً، وتخضع هذه الأقاليم اليوم لإدارات وقوى مختلفة، فالأقاليم الشرقية والشمالية (بونتلاند وصومالاند) وهي عبارة عن سبعة أقاليم ونصف الإقليم تخضع لإدارتي صوما لاند وبونت لاند، وأقاليم أقصى الجنوب والجنوب الغربي وهي ستة أقاليم تسيطر عليها فصائل المقاومة المعارضة للحكومة الانتقالية، والباقي ومنه العاصمة مقديشو يتقاسمه الحكومة الانتقالية برئاسة الشيخ شريف، وفصائل المقاومة المعارضة، بالإضافة إلى مليشيات للطرق الصوفية أنشئت حديثاً في إقليم جلجدود بعد تنامي دور المقاومة الإسلامية. 2 - نصف أعضاء البرلمان الانتقالي يمثل زعماء الحرب، ولهم علاقات مشبوهة مع قوى إقليمية ودولية، ويصعب تمرير مشاريع لا ترضيهم في البرلمان؛ لأنهم شركاء في القرار، وسيعارضون كل ما لا ينسجم مع مصالحهم أو مصالح من يمثلونهم من القوى الإقليمية والدولية، وصنيعهم مع عبد الله يوسف لما دعت (أديس أبابا) إلى الإطاحة به ليس عنا ببعيد. 3 - عمر الحكومة الانتقالية التي يرأسها الشيخ شريف قصير وهو سنتان، ويصعب إحداث تغيير يُذكر في الساحة خلال هذه المدة الوجيزة مع الأخذ في الحسبان تراكمات الأزمة الصومالية التي طال أمدها. 4 - جميع فصائل المقاومة باستثناء جناح جيبوتي أبدى معارضته الشديدة لاجتماع جيبوتـــي وما تمخض عنه، ويستحيل على الحكومة الانتقالية إزالة وجــودهــا ولو بالقوة، وينذر ذلك باندلاع حرب أهـلية لا غــالب فيهــا ولا مغلوب. 5 - إدارتا بونت لاند وصومال لاند أبدتا معارضتهما لاجتماع جيبوتي ونتائجه وذكَّرتا رسمياً بأنهما غير معنيتين بذلك؛ لأنهما لم تكونا ممثَّلتين في الاجتماع رسمياً، والمجتمع الدولي يتعامل مع هذه الأنظمة بوصفها واقعاً لا يمكن تجاوزه، فرؤساء أرض الصومال أو بونت لاند يعاملون معاملة لا تختلف كثيراً عن التي يلقاها رئيس الحكومة الانتقالية، وتبرم هذه الأنظمة اتفاقيات رسمية مع من تشاء من الدول دون الرجوع إلـى سلطــة مركــزية أو حكومة فدرالية؛ كما يقال، وظهر في الشهور الأخيرة في الساحة الدولية دعوات صريحة تطالب بتقسيم الصومال أو الاعتراف بصوما لاند التي أعلنت انفصالها من طرف واحد. 6 - الحكومة الإثيوبية لا تسمح بقيام صومال قوي تحكمه سلطة مركزية، ولا تألو جهداً في بثِّ العراقيل أمام كل حكومة صومالية وإن كان رئيسها موالياً لها، ولها أسلوب قديم وجديد في ذلك، وهي أنها تتحاشى التعامل مع الحكومة الانتقالية بوصفها ممثلاً للصومال وتتعامل مع كل منطقة أو متنفِّذ على حدة، بل إنها تسعى إلى تسليح زعماء الحرب من جديد، وقد بدأت الآن بذلك، واصطحبت قواتها المنسحبة كلاً من محمد طيري (محافظ مقديشو السابق) وبري هيرالي (وزير الدفاع وحاكم مدينة كسمايو السابق) وحابسدي (وزير النقل وأحد المتنفذين في مدينة بيدوا) ودبغيد (وهو محافظ هيران السابق) بالإضافة إلى محافظ بيدوا، ويبدو أنها تعدُّهم لأدوار قادمة، كما كانت تفعل عقب كل مصالحة وتشكيل حكومة. 7 - دأب المجتمع الدولي وفي مقدمته أمريكا على التعامل مع كل حكومة صومالية بعد انهيار الحكومة المركزية عام 1991م من زاوية أمنية أو إنسانية بحتة، وهو ما يدل بوضوح على أن هناك أجندة خفية لم تكتمل فصولها إلى الآن، ومن الغريب أن الإدارة الأمريكية لم تعترف إلى الآن بالحكومة الانتقالية كما صرَّحت بذلك مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لـ (بي بي سي) في وقت سابق، وإن كانت قد استخدمتها بوصفها غطاء شرعياً لتدخلاتها غير القانونية ومنها العدوان الإثيوبي على الصومال الذي كانت ترعاه أمريكا. وما أبدته أمريكا وبعض الدول من تأييد ما تمخض عنه اجتماع جيبــوتـي لا يعدو أن يكون من قبيل المجاملات التي تخالفها الأفعال، وبدلاً من دعم الحكومة الانتقالية فإن أمريكا ستستخدمها عصا تضرب بها ما تسميه بالإرهاب. 8 - يرابط في سواحل الصومال وفي برِّه قوات أجنبية لا تأتمر بأمر رئيس صومالي ولا تستأذن برلماناً صومالياً، ويجري الآن حديث عن إرسال قوات أممية وإفريقية إلى الصومال. وهذه القوات الموجودة على الأرض، أو المتوقع إرسالها إلى الصومال لا ترعى مصالح الصومال وإنما ترعى مصالح بلادها أو مصالح القوى العظمى، ووجودها سيمنع قيام حكومة مستقلة في قراراتها، وهذا سيجعل الحكومة الوليدة تراوح في مكانها إلى أن تستكمل عمرها الزمني المفترض. 9 - هناك لاعبون دوليون تتناقض مصالحهم في المنطقة مع مصالح إثيوبيا، ولا يألون جهداً في دعم من يرونه معارضاً للشيخ شريف الذي يمثل في نظرهم امتداداً للأجندة الإثيوبية، لا سيما بعد الترحيب الإثيوبي بانتخاب الشيخ شريف رئيساً للصومال، وهذا سيجعل مهمته أكثر تعقيداً. تلك هي بعض العقبات التي تنتظر الشيخ شريف ويبدو أنها سوف ترهق أعصابه وتعوِّده إدمان المسكنات، ولكن هل سيتمكن من اجتيازها؟ أم سيضطر إلى الاستسلام لها والإعلان المبكر عن استحالة المهمة؟ هذا ما ستجيب عنه تطورات المرحلة المقبلة القادمة، وإن كانت الأزمة الصومالية قد سجلت في السابق تساقطاً رهيباً لكل من تقلِّد زمام الرئاسة أو رام كرسيَّ الحكم |
الشيخ شريف رئيساً للصومال ... الفرص والعقبات
امير- مدير عام
- المشاركات : 1041
البلد : مصر أم الدنيا
الدولة :
المهنة :
الهواية :
{ مزآجي ..~ :
الأوسمة :
[ Mms ..~ :
دعاء المنتدى :
تاريخ التسجيل : 01/01/2009
- مساهمة رقم 1