[center]أسباب عذاب القبر وكيفية النجاةمنه
ابن قيم الجوزية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على من أكمل الله به الدين وأتم به النعمة، نبينا محمد وعلى أله وصحبه والتابعين.أسباب عذاب القبر
أورد ابن القيم رحمه الله سؤالاً حول عذاب القبر وأجاب عليه، في كتابه "الروح".
قال ـ رحمه الله تعالى ـ يقول السائل: ما الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور؟ وجواب ذلك من وجهين: مجمل، ومفصل .
أما المجمل:
فإنهم يعذبون على جهلهم بالله، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم معاصيه، فلا
يعذب الله روحاً عرفته وأحبته وامتثلت أمره واجتنبت نهيه، ولا بدناً كانت
فيه أبداً، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده، فمن
أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ومات على ذلك ، كان له من عذاب
البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذب.
وأما الجواب المفصل : فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
عن الرجلين اللذين رآهما يعذبان في قبورهما، يمشي أحدهما بالنميمة بين
الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول، فهذا ترك الطهارة الواجبةا وذلك
ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس بلسانه وإن كان صادقاً، وفي هذا
تنبيه على أن الموقع بينهم العداوة بالكذب والزور والبهتان أعظم عذابا ،
كما أن في ترك الصلاة التي الاستبراء من البول بعض واجباتها وشروطها فهو
أشد عذاباً.
وأخبر عليه الصلاة والسلام ـ كما في رواية ـ أن أحد هذين اللذين يعذبان كان يأكل لحوم الناس، فهو مغتاب، وذلك نمام.
وجاء عنه ص ( أن رجلاً ضرب في قبره سوطاً فامتلأ القبر عليه ناراً؛ لكونه صلى صلاة واحدة بغير طهور، ومر على مظلوم فلم ينصره ) [الحديث رواه الطحاوي في بسند حسن].
وأخبرصلى الله عليه وسلم كما في حديث سمرة بن جندب الذي
رواه البخاري عن تعذيب من يكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وعن تعذيب من يقرأ
القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به في النهار، وعن تعذيب الزناة
والزواني، وعن تعذيب آكل الربا، أخبر عنهم كما شاهدهم في البرزخ.
وفي حديث آخر أخبرصلى الله عليه وسلم
عن رضخ رؤوس أقوام بالصخر لتثاقل رؤوسهم عن الصلاة، وعن الذين يسرحون بين
الضريع والزقوم لتركهم زكاة أموالهم، وعن الذين يأكلون اللحم المنتن
الخبيث لزناهم، والذين تقرض شفاههم بمقارض من حديد لقيامهم في الفتن
بالكلام والخطب.
وجاء في حديث رواه أبو سعيد عنه صلى الله عليه وسلم ذكر أرباب بعض الجرائم وعقوباتهم:
فمنهم من بطونهم أمثال البيوت وهم على سابلة آل فرعون،
وهم أكلة الربا، ومنهم من تفتح أفواههم فيلقمون الجمر حتى يخرج من
أسافلهم، وهم أكلة أموال اليتامى، ومنهم من تقطع جنوبهم ويطعمون لحومهم،
وهم المغتابون، ومنهم من لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم، وهم الذين
يمزقون أعراض الناس.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحب الشملة التي غلها من المغنم؛ أنها تشتعل عليه ناراً في قبره، هذا وله فيها حق، فكيف بمن ظلم غيره ما لا حق فيه؟!