الـسَّـلَامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبـَرَكَـاتُـهُ
لو سئل أحدنا : كم مرة تغسل قلبك في اليوم لاستغرب و لدهش من السؤال ،
و لتلعثم و لم يعرف بماذا يجيب !! و لو سئل : كم مرة تغتسل أو تستحم ؟
لأجاب على الفور دون تلعثم
و ذلك لأن الاغتسال و التنظف الخارجي للبدن أمر طبيعي و مألوف في حياتنا
، و لكننا لم نألف أن نعنى بنظافة و طهارة قلوبنا من أدرانها .
نحن يا إخوة نحرص على نظافة أجسامنا الخارجية ، و لكننا لا نحسن الوضوء !! أتدرون
لماذا ؟ لأننا لا نحرص على الطهارة الباطنية !! . قلبك الذي بين جنبيك ، ما وضعه ، و كيف
حاله ؟ أهو حي ، أم ميت خرب ؟ أهو عامر بالإيمان الحقيقي ، أم أن الأمراض قد فتكت
به و أهلكته ؟إن القلب الطاهر النقي التقي ، هو ذلك القلب الخالي من الحقد و البغض و
الغل و الرياء و الحسد و الضغائن و سوء الظن ، هو ذلك القلب المستريح من تلك الحرب
الضروس التي يشعلها البعض في قلبه حسدا و حقدا على إخوانه لسبب دنيوي تافه ، لا
يستطيع معه أن ينام الليل أن يهدأ فكره بالنهار ، فهو يفكر دائما بالانتقام . عن عبد الله
بن عمرو ، قال : قيل : يا رسول الله ، أي الناس أفضل ؟ قال :" كل مخموم القلب ، صدوق
اللسان . قالوا : صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب ؟ قال : التقي النقي ، لا إثم فيه
، و لا بغي ، و لا غل ، و لا حسد " . فكيف حال قلبك أنت ؟ إن كان قلبك ميتا ، فخالط
من قلبه حي ، فشتان بين أقوام موتى تحيا القلوب بذكرهم ، و بين أقوام أحياء تموت
القلوب بمخالطتهم . قال لقمان لابنه : يا بني جالس العلماء و زاحمهم بركبتيك ، فإن الله
يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل القطر .
القلب يا إخوة ، محطة توليد الطاقة في الجسم ، أو قل : هو مفتاح التشغيل ، فإن كان
سليما ، عملت باقي أعضاء الجسم بكفاءة ، و إن أصابه خلل ، اختلت آليات الإرسال و
الاستقبال في الجسم و أصابها التشويش ، القلب هو تماما – كما قال عليه الصلاة و
السلام – تلك المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله ، و إن فسدت فسد الجسد كله ، قاال
عليه الصلاة والسلام :" إن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده ، و إذا فسدت
فسد سائر جسده ، ألا وهي القلب ". وصف رائع و بليغ ، كيف لا ، و قد أوتي جوامع
الكلم ، بأبي هو و أمي..عليه الصلاة و السلام.
هذا ينقلنا للحديث عن قضية هامة و خطيرة ، و هي أننا نستمع للقرآن ، و نحضر حلق
العلم ، و نسمع المحاضرات ، و نقرأ الكتب ، و لكن .. أين نفع هذا كله ؟ لماذا لا نتأثر ؟
لماذا لا تتهذب أخلاقنا و يتغير سلوكنا ؟ أين الخلل ، و ما السبب في ذلك ؟ ، السبب هو
أننا لم نترب حقيقة التربية الإيمانية ، لم يأخذ القلب حظه من الرعاية و العناية ، فالقلب
يحتاج كما قلنا إلى غسيل باستمرار ، لتطهيره و تنقيته من تلك الآفات التي ذكرناها آنفا
، ليعمل بكفاءة في الاستقبال و الإرسال .
أمراض القلوب التي ذكرناها آنفا ، لها علاقة وطيدة بحال أمتنا اليوم ، تداعت علينا الأمم
كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ، أصبحنا غثاء كغثاء السيل ، أصبحنا لقمة سائغة و
فريسة سهلة في أيدي أعدائنا ، ثم نقول : من أين هذا ؟ "قل هو من عند أنفسكم" ، نعم
، ضعفنا و هزيمتنا و هواننا على الناس بسبب أمراض قلوبنا ، و ما أدت إليه من انشقاق
صفنا و تمزق وحدتنا ، أصبح بأسنا بيننا شديد ، بينما الأصل أن نكون أشداء على الكفار
، رحماء بيننا ، و لكننا قلبنا الآية ، و كم منطق فيه الحقيقة تقلب . لماذا يسيء أحدنا
الظن بأخيه ؟ التمس لأخيك العذر ، فإن لم تجد له عذرا فقل : لعل له عذرا لا أعلمه ،
و إلا فاتهم قلبك و قل : يا قلب ما أقساك !! . ثم لماذا يحسد بعضنا البعض ،
و يحقد بعضنا على بعض ؟! أليس همنا واحد ، أليس كل واحد منا على ثغر من ثغور
الإسلام ؟ أنت أيها المسلم على ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك ،
فأنت إن زللت زللت معك ، و زللنا جميعا ، فنحن مشبوكو الأيدي في صف واحد ، لإعلاء
بنيان واحد ، فإن عثر أحدنا ،
نهضنا جميعا لنقيل عثرته ، حفاظا على سلامة البنيان من الانهيار بسقوط الواحد تلو الآخر
، و إن زل أحدنا ، ساعدناه على النهوض مرة أخرى ، لا أن نكون أعوانا للشيطان و
لنفسه عليه !! ، فمن مصلحتنا جميعا أن يساعد بعضنا البعض لنبقى أقوياء ، فبهذا تعلو
الهمم و تسمو و ترتقي . سأل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يوما عن رجل يعرفه ،
فقالوا له : إنه خارج المدينة يتابع الشراب ، فكتب له عمر يقول : إنني أحمد إليك الله
الذي لا إله غيره ، غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب . فلم يزل الرجل يردد كتاب عمر
و هو يبكي .. حتى صحت توبته . و لما بلغ عمر ، قال : هكذا فاصنعوا ، إذا رأيتم أخاكم
زل زلة فسددوه و وفقوه و ادعوا الله أن يتوب عليه ، و لا تكونوا أعوانا للشيطان عليه .
بعد هذا ، أنجرؤ و نقول : قم يا صلاح الدين أنقذ أمتنا مما هي فيه ؟َ! أعجزت الأمهات
حقا و عقمت أن تنجب اليوم كصلاح الدين ؟ ! لماذا لا نأخذ بالأسباب التي أخذ بها صلاح
الدين عندما حرر الأقصى ؟ فلله سنة في كونه ، و لله سنة في عباده ، و الله لا يغير ما
بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
الأمر جد خطير كما ترون ، فلابد من إحياء القلوب ، و إصلاح ذات البين ،
لتوحيد الصفوف لننهض من جديد.
سبحان الله وبحمدهـ ..سبحان الله العظيـمـ